كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله ما لا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها» والمراد بالحسد: الغبطة: وهي أن تتمنى مثله ومنها أنه صلى الله عليه وسلم: «قال لعليّ كرّم الله وجهه: لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم» ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءه أجله وهو يطلب العلم لحيي به الإسلام لم يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة» ومنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: «بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة».
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وفي رواية كفضلي على أدناكم».
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله أوحى إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أني عليم أحب كل عليم».
ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: «أنه صلى الله عليه وسلم مرّ بمجلسين في مسجده أحد المجلسين يدعون الله تعالى ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا المجلسين على خير وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون لله عز وجل ويرغبون إليه، وأما هؤلاء فيتعملون الفقه ويعلمونه الجاهل فهؤلاء أفضل، وإنما بعثت معلمًا ثم جلس فيهم» والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا.
وأمّا أقوال السلف فلا تحصر، فمنها ما قاله ابن عباس: أن سليمان عليه السلام خير بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه، وما قاله بعض الحكماء: ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم.
وما قاله الأحنف: كاد العلماء يكونون أربابًا، وكل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل ما يصير.
وما قاله الزبيري: العلم ذكر فلا يحبه إلا ذكورة الرجال.
وما قاله أبو مسلم الخولاني: مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء إذا برزت للناس اهتدوا بها وإذا خفيت عنهم تحيروا.
وما قاله معاذ: تعلم العلم فإنّ تعلمه لك حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة.
وما قاله علي: العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق.
وما قاله ابن عمر: مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة.
وما قاله الشافعي من أن: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وقال: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم، وقال: من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم فإنه يحتاج إليه في كل منهما.
وقد ذكرت في أوّل شرح المنهاج من الأحاديث ومن أقوال السلف ما يسرّ الناظر الراغب في الخير وفيما ذكرته هنا كفاية لأولي الأبصار {والله} أي: والحال أنّ المحيط بكل شيء علمًا وقدرة {بما تعملون} أي: حال الأمر وغيره {خبير} أي: عالم بظاهره وباطنه فإن كان العلم مزينًا بالعمل بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وتصفية الباطن كانت الرفعة على حسبه، وإن كان على غير ذلك فكذلك.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي: ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة أغنياء كانوا أو فقراء {إذا ناجيتم الرسول} أي: أردتم مناجاة الذي لا أكمل منه في الرسالة الآية، فقال ابن عباس: (إنّ المسلمين كانوا يكثرون المسائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقوا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية فكف كثير من الناس). وقال الحسن: (أنّ قومًا من المسلمين كانوا يستخلون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يناجونه، فظنّ بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى فشق عليهم ذلك فأمرهم الله تعالى بالصدقة عند النجوى ليقطعهم عن استخلائه).
وقال زيد بن أسلم (إنّ المنافقين واليهود كانوا يناجون النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقولون: إنه أذن يسمع كل ما قيل له، وكان لا يمنع أحدًا من مناجاته فكان ذلك يشق على المسلمين لأنّ الشيطان كان يلقي في أنفسهم أنهم يناجون أنّ جموعًا اجتمعت للقتال فنزلت {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول}) أي: أردتم مناجاته {فقدّموا} أي: بسبب هذه الإرادة وقوله تعالى: {بين يدي نجواكم} استعارة ممن له يدان والمعنى: قبل نجواكم التي هي سرّكم الذي تريدون أن ترفعوه {صدقة} لقول عمر من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدّمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته، والصدقة تكون لكم برهانًا على إخلاصكم كما ورد أنّ الصدقة برهان فهي مصدّقة لكم في دعوى الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به عن الله تعالى.
تنبيه:
ظاهر الآية يدل على أنّ تقديم الصدقة كان واجبًا لأنّ الأمر للوجوب ويؤكد ذلك قوله تعالى بعده: {فإنّ لم تجدوا فإنّ الله غفور رحيم} وقيل: كان مندوبًا لقوله تعالى: {ذلك} أي: التصدّق {خير لكم وأطهر} أي: لأنفسكم من الريبة وحب المال هذا إنما يستعمل في التطوّع لا في الواجب ولأنه لو كان واجبًا لما أزيل وجوبه والكلام متصل به وهو قوله تعالى: {فإن لم تجدوا} الآية.
وأجيب عن الأوّل: بأنّ المندوب كما يوصف بأنه خير وأطهر فكذلك أيضًا يوصف بهما الواجب.
وعن الثاني: بأنه لا يلزم من اتصال الآيتين في التلاوة كونهما متصلتين في القول كما قيل في الآية الدالة على وجوب الاعتداد أربعة أشهر وعشرًا أنها ناسخة للاعتداد بحول وإن كان الناسخ متقدّمًا في التلاوة.
وعن علي أنه قال: «لما نزلت دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقول في دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: كم؟ قلت: حبة أو شعيرة قال إنك لزهيد فلما رأوا ذلك اشتدّ عليهم فارتدعوا، أما الفقير فلعسرته وأما الغنيّ فلشحته» واختلف في مقدار تأخر الناسخ عن المنسوخ في هذه الآية، فقال الكلبي: ما بقي ذلك التكليف إلا ساعة من نهار ثم نسخ وقال مقاتل وابن حبان: بقي ذلك التكليف عشرة أيام ثم نسخ لما روي عن عليّ أنه قال إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدّقت بدرهم. وفي رواية عنه فاشتريت به عشرة دراهم وكلما ناجيت النبيّ صلى الله عليه وسلم قدمت بين يدي نجواي درهمًا ثم نسخت فلم يعمل بها أحد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدّقوا فلم يناج أحد إلا علي تصدّق بدينار، وعدم عمل غيره لا يقدح فيه لاحتمال أن يكون لم يجد عند المناجاة شيئًا أو أن لا يكون احتاج إلى المناجاة ثم نزلت الرخصة.
وعن ابن عمر رضي الله عنه كان لعليّ ثلاث لو كان لي واحدة منهنّ كانت أحب إليّ من حمر النعم تزويجه فاطمة وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى.
واختلف في الناسخ لذلك فقيل: هي منسوخة بالزكاة وأكثر المفسرين أنها منسوخة بالآية التي بعدها وهي {أأشفقتم} كما سيأتي وكان عليّ يقول: وخفف عن هذه الأمة {فإن لم تجدوا} أي: ما تقدّمونه فإن الله أي الذي له جميع صفات الكمال {غفور رحيم} أي: له صفتا الستر للمساوي والإكرام بإظهار المحاسن على الدوام فهو يعفو ويرحم تارة يقدّم العقاب للعاصي وتارة بالتوسعة للضيق بأن ينسخ ما يشق إلى ما يخف.
وقوله تعالى: {أأشفقتم} أي: خفتم العيلة لما يعدكم به الشيطان من الفقر خوفًا كاد أن يفطر قلوبكم {أن تقدّموا} أي: بإعطاء الفقراء وهم إخوانكم {بين يدي نجواكم} أي: النبيّ صلى الله عليه وسلم {صدقات} وجمع؛ لأنه أكثر توبيخًا من حيث إنه يدل على أنّ النجوى تتكرّر استفهام معناه التقرير وهو الناسخ عند الأكثر كما مرّ.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام: بتسهيل الثانية بخلاف عن هشام، وأدخل بينهما الفاء قالون وأبو عمرو وهشام، والباقون بتحقيقهما ولا إدخال والأولى محققة بلا خلاف {فإذ} أي: فحين {لم تفعلوا} أي: ما أمرتكم به من الصدقة للنجوى بسبب هذا الإشفاق {وتاب الله} أي: الملك الأعلى {عليكم} أي: رجع بكم عنها بأن نسخها عنكم تخفيفًا عليكم {فأقيموا} أي: بسبب العفو عنكم شكرًا أي: على هذا الكرم والحلم {الصلاة} التي هي طهرة لأرواحكم وصلة لكم بربكم {وآتوا الزكاة} التي هي براءة لأبدانكم وتطهير ونماء لأموالكم وصلة لكم بإخوانكم، ولا تفرّطوا في شيء من ذلك فتهملوه فالصلاة نور يهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية ويعين على نوائب الدارين، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة.
ثم عمم بعد أن خصص أشرف العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية بقوله تعالى: {وأطيعوا الله} أي: الذي له الكمال له {ورسوله} أي: الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمرانكم به، فإنه تعالى ما أمركم لأجل إكرام رسولكم صلى الله عليه وسلم إلا بالحنيفية السمحة {والله} أي: الذي أحاط بكل شيء علمًا وقدرة {خبير بما تعملون} أي: يعلم بواطنكم كما يعلم ظواهركم لا تخفى عليه خافية.
{ألم تر} أي: تنظر يا أشرف الخلق {إلى الذين تولوا} أي: تكلفوا بغاية جهدهم وهم المنافقون أي جعلوا أولياءهم الذين يتولون لهم أمورهم {قومًا} وهم اليهود ابتغوا عندهم العزة اغترارًا بما يظهر لهم منهم من القوة {غضب الله} أي: الملك الأعلى الذي لا ندّله {عليهم} أي: المتولى والمتولى لهم {ما هم} أي: المنافقون {منكم} أي: المؤمنين {ولا منهم} أي: اليهود بل هم مذبذبون وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء بقوله تعالى: {ويحلفون} أي: المنافقون يجدّدون الحلف على الاستمرار ودل بأداة الاستعلاء على أنهم في غاية الجراءة على استمرارهم على الإيمان الكاذبة بأنّ التقدير مجترئين {على الكذب} في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان {وهم يعلمون} أنهم كاذبون متعمدون.
روي «أنّ عبد الله بن نبتل كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرفع حديثه إلى اليهود فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه: يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان، فدخل ابن نبتل وكان أزرق العينين أسمر قصيرًا خفيف اللحية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال النبي صلى الله عليه وسلم فعلت فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت».
{أعد الله} أي: الذي له العظمة الباهرة فلا كفء له {لهم عذابًا} أي: أمرًا قاطعًا لكل عذوبة {شديدًا} أي: لا طاقة لهم به ثم علل عذابهم بما دلّ على أنه واقع في أتم مواقعه بقوله تعالى مؤكدًا تقبيحًا على من كان يستحسن فعالهم: {إنهم ساء} أي: بلغ الغاية بما يسوء ودل على أنّ ذلك لهم كالجبلة بقوله تعالى: {ما كانوا يعملون} أي: يجدّدون عمله مستمرّين عليه لا ينفكون عنه، قال الزمخشري: أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة.
{اتخذوا أيمانهم} أي: الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان {جنة} وقاية وسترة من كل ما يفضحهم من النفاق كائنًا ما كان {فصدّوا} أي: كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سببًا لإيقاعهم الصدّ {عن سبيل الله} أي: شرع الملك الأعلى الذي هو طريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز العظيم فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهنون أمره ويحقرونه، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الخائنة ودرّت عليهم الأرزاق استدراجًا، وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونه من أقوالهم المؤكدة بالإيمان، غرّه ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم ونسج على منوالهم غرورًا بظاهر أمرهم معرضًا عما توعدهم الله تعالى عليه من جزاء خداعهم وأمرهم وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال تعالى: {فلهم} أي: فتسبب عن صدّهم إنه كان لهم {عذاب مهين} جزاء بما طلبوا بذلك الصدّ إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام.